رواية جميلتى
تنهدت وهى تبتسم بسخرية: أد إيه الواحد كان مغفل ومستغفل نفسه، الحكم على المظاهر ده عامل كأنك عمال توصف اللي قدامك وأنت أعمى!
حدقت لياسمينا وقالت: وسيم مكنش جاي يتقدم لي كان جاي يشفق على جميلة اللي محدش هيبص لها.
عقدت ياسمينا حاجبيها بإستغراب: يعني إيه؟
سردت لها جميلة ما حدث وما دار بينها وبين وسيم وكيف أنها طردته في النهاية.
نهضت ياسمينا بعـ،صبية: هو فين الجاهل ده علشان اكسر دماغه!
أمسكتها جميلة من ذراعها تقول بتعب: أقعدي أنا خلاص قولتله اللي يستاهله.
جلست ياسمينا وهى تنتفض من الغض.ب: إيه البني آدم ده! هو فيه كدة في الدنيا!
ردت جميلة بتهكم: ده مفيش إلا كدة .
حدقت لها ياسمينا بحزن: متزعليش يا جميلة والحمد لله عرفتي حقيقته من الأول ربنا كشفه علشان ينور بصيرتك ومتفضليش مخدوعة فيه، ده كان لازم يحصل علشان متفضليش متعشمة في وهم، ربنا مش بيعمل حاجة وحشة.
نظرت لها بعيون دامعة: الحمد لله.
ثم بكت من جديد بند ـ،م: أنا رفضت قاسم علشانه، أنا مش مصدقة أني رفضته علشان ده!
قالت ياسمينا بعطف: يمكن ملكيش نصيب فيه متزعليش.
ثم تابعت بحكمة: بس الأهم دلوقتي تلتفتي لنفسك وبس يا جميلة أنتِ دلوقتي متلغبطة ومشاعرك هتبقى متلغبطة ومش واضحة مش علشان اتصد-متِ في وسيم تحولي مشاعرك لقاسم لمجرد أنه العكس، ادي نفسك وقت علشان جرحك يخف علشان تكون رؤيتك للأمور واضحة وصريحة ولو قلبك مال لقاسم يبقى لأنك حبتيه هو مش حبيتي حُبه ليكِ.
فكرت جميلة قليلا في حديثها ووجدت أنها محقة رغم كل شئ عليها أن ننتبه لنفسها وتركز على القادم من حياتها.
بعد مغادرة ياسمينا ظلت جميلة جالسة مكانها لفترة قبل أن تنهض وتبدل ملابسها، وقفت أمامها خزانتها وأخرجت شيئا من ركن بعيد بها، كان باقة الورود التي أحضرها قاسم، لا تعلم يومها ما حدث لها لتذهب وتأخذها من جانب القمامة وتحتفظ بها في مكان مخبأ في خزانتها ولكنها وجدت قدميها رغما عنها تتجه لها ويديها ترفعها وأخذتها لتضعها في خزانتها، لقد ذبلت الورود ربما مثلما تشعر في هذه اللحظة بالذات، ذبلة، باهتة ومتعبة بشدة.
تمددت على السرير ووضعت الورود بجانبها وهى تنظر لها وعقلها يسترجع كلمات قاسم مرة بعد مرة حتى نامت أخيرا.
في الأيام التالية حاولت أن تخرج من أزمتها وتركز على حياتها إلا مناقشتها تأجلت لمدة ثلاثة أسابيع بسبب أمر طارئ لأحد الأساتذة المناقشين لها مما سبب لها مزيدا من الإحباط.
لم تخرج من بيتها كثيرا، كانت تجلس في بيتها وغرفتها أغلب الوقت وكانت ياسمينا جلسيتها الوحيدة في وحدتها.
ورغم كل توقعاتها احتل قاسم كل أفكارها يوميا، لا تعرف ما المختلف حتى لا تفكر بيه بشكل آخر، عندما كانت تقف في بلكونة غرفتها وتراه قادما أو ذاهبا يبدأ قلبها بالنبض بشكل غريب عليها حتى أنه يؤلمها أحيانا، لقد بدا متغير بشكل كبير، الإبتسامة البشوشة والوجه المرح اختفوا وحل مكانهم وجه جدي لا يوجد به أي شكل من أشكال الإبتسامة، العيون التي نظرت لها ذات مرة بحب أصبحت خالية من أي تعبير.
كانت ترغب في الذهاب إليه والاعتذار منه ولكنها لم تجرؤ قط أن تفعل وبأي حق تفعلها؟
مرة سمعت والدته تتحدث مع والدتها أنها قلقة عليه فبرغم عمله الجاد وجديته إلا أنه أغلب الوقت منعزل مع نفسه ولم يعد يخرج غير للعمل ولا حتى مع أصدقائه كما أنه لا يمزح كالسابق، في تلك الليلة راقبت عودته خلسة من العمل من شرفتها كالعادة وحزن كبير يحتل قلبها، تتمنى لو تعود بالزمن، تتمنى لو يمكنها أن تغير شيئا ما، تتمنى لو كانت الأمور مختلفة.
بقى على يوم المناقشة يوم واحد أخيرا وقد جهزت كل شئ حتى تتجنب حدوث الأخطاء وتدعو الله أن تمر على خير، كانت قلقة بشدة لا تستطيع الهدوء ومتوترة، لم تقدر أن تجلس هكذا في غرفتها فخرجت إلى البلكونة تستنشق بعض الهواء النقي عله يقلل من اضطرابها قليلا.
رأته حينها عائدا من عمله ولكنها استغربت لأنه أبكر من المعتاد، كان هناك مجموعة من الأولاد والشباب يلعبون الكرة في الشارع.
قام أحدهم بالنداء عليه بشكل صاخب: إيه يا عم قاسم، مختفي كدة وناسينا حتى مبقتش تلعب معانا ليه؟
ألتفت لهم وابتسم: معلش الشغل واخد وقتي الفترة دي.
قال أحدهم بمرح: طب ما تيجي شوط معانا دلوقتي أنت فاضي أهو.
أبتسم لهم ثم تقدم وهو يقترب منهم، وضع قدمه على الكرة وهو يقول: والمكسب على إيه؟