الحكمة في ارض البرونز بقلم د.رحاب سليمان
حيــن تتــأذى مــن حياتــك،وتشــعر أن تلــك الحيــاة ال تســتحق الجهد والســعى،
الوحــدة أصبحــت جــزء مــن كيانــك،المــال ال يســعدك،الجميــع طامعــون،ال
أحــد يســتحق ثقتــك،تلــك هــى االفــكار التــى دائم ـا ً مــا تــدور بخلدى،وكانــت
تســيطر علــى أفــكارى ومشــاعرى طويـًا،كنــت أفكــر بهــذا الشــكل،ال أعلــم
كيــف يمكــن التخلــص منهــا،ولكــن كل مــا أدركــه اننــى بحاجــة ماســة الــى
مســاعدة مــن قبــل متخصــص.
تــرددت كثيــرا ً فــى الذهــاب الــى طبيــب نفســى،وبســبب مالحقــة االعــام
خبــر ذهابــى لطبيــب نفســى،فهــذه مــادة خــام لــكل مروجــى الشــائعات،فقــد
يُطلــق علــى اننــى اعانــى مــن إحــدى األمــراض النفســية والعصبيــة،وهــذا
بالتأكيــد ســيؤثر بالســلب علــى أعمالــى،لــذا كنــت اســتبعد الذهــاب لطبيــب
النفســى،بالرغــم مــن ازديــاد حالتــى ســوءًا،واصبحــت أعانــى مــن الصــداع
المتكــرر،واألرق.
كنــت احــرص دومــا علــى الذهــاب الــى شــاطىء البحــر،ارتــاح حيــن اجلــس
مســاءأ ً بشــكل يومــى،التمشــى علــى شــاطىء البحــر،هــذه العــادة اعتــدت
عليهــا بعــد وفــاة جــدى،وكانــت وســيلة لتقليــل الضغــوط التــى تكبلنــى،كنــت
أخــرج كل يــوم بمفــردى،فأنــا أحــب الهــدوء وأقــدره،أتأمــل األمــواج وهــى
تتالحــق أمامــى أشــعر انهــا تتحــدث معــى،ففــى بعــض االحيــان،أرى موجــه
عاليــة،واعتبــر هــذا موافقــة علــى مــا أقــول،وفــى احيــان أخــرى الموجــة
المعبــأ باليــود،كنــت أشــعر بالطمأنينــة،وان هــذا العالــم أحبــه.
كنــت اروى احــداث يومــى وحكاياتــى للبحــر،فهــو لــن يمــل منــى،اُعبــر لــه
عــن أحزانــى،وبعــد انتهــاء امســيتى أمــام البحــر اشــعر ببعض االرتيــاح،لذا
حرصــت علــى تلــك العــادة،اعتبرهــا كالعــاج النفســى الــذى احتاجــه،وكان
مديــر اعمالــى وجميــع المســاعدين لــى يعلمــون جيــدا ً اننــى فــى هــذا الوقــت
الجلــوس امــام البحــر.
ذات يــوم جــاء صديقــى حســين وقــت خروجــى للبحــر،وهــو يعلــم جيــدا ً
اننــى فــى هــذا الوقــت ال أحــب مصاحبــة أحــد،أو الخــروج الى مــكان آخــر،
فاجئنــى حســين هــذا اليــوم بإصــرار غريــب علــى الخــروج معــى فــى هــذا
الوقــت،بالطبــع رفضــت رفضـا ً تامـًا،وقلــت لــه:خروجــى للبحر هو الشــىء
الوحيــد الــذى يشــعرنى باالرتيــاح وخروجــى بمفــردى أصبــح شــىء مقــدس
عنــدى،فرأيــت حســين صديقــى يبتســم ويقــول اننــى اصبحــت أغيــر مــن
البحــر،النــه أصبــح أعــز صديــق لديــك،واننــى لــن اســتطيع ان أحــل محلــه،
واســتطرد حديثــه وقــال اننــى هنــا اآلن النــى شــعرت بالقلــق حيــن ســمعت
صوتــك اليــوم،وقــرأت أخبــار الصحــف والتــى تحــاول تشــويه ســمعتك،لــذا
حرصــت علــى التخفيــف عنــك،فهــذا الــكالم ليــس لــه أى قيمــة،وانــت تعلــم
ذلــك جيــدًا،كلهــا أحقــاد عليــك مــن قبــل الحاقديــن،لــذا قلقــت عليــك وخفــت
أن تصيبــك نوبــة الحــزن الشــديد التــى تصيبــك حيــن تقــرأ مثــل
هــذه االخبــار،فجئــت فــى هــذا الوقــت،لكــى أطمئــن عليــك،بالطبــع شــكرت
صديقــى علــى هــذا االهتمــام،وطمأنتــه وقلــت لــه اننــى بخيــر ال تقلــق،انــا
فقــط احــب التمشــية علــى الشــاطىء،فأعصابــى تســتريح بالفعــل،انــت تعلــم
جيــدا ً ضغــوط العمــل،واعبائــى الثقــال.
تيقنــت بالفعــل أن حســين صديقــى هــو نعمــة كبيــرة فــى حياتــى وهــو بالفعــل
صديــق مخلــص،مــن النــدرة الحصــول علــى مثــل هــذا الصديــق،فهــو
الصديــق الصــدوق.
فــى هــذا اليــوم خرجــت كعادتــى للتمشــية علــى شــاطىء البحــر،وكمــا قــال
صديقــى حســين اننــى بالفعــل كنــت مهمــوم وأعانــى مــن نوبــة مــن نوبــات
الحــزن الشــديد،فأنــا اتظاهــر بالقــوة أمــام اآلخريــن،ولكــن مــا بداخلــى ال
يتحملــه انســان،فمــا اصعــب مشــاعر الحــزن حيــن تفقــد مــن تحــب،حتــى
اآلن لــم اســتطع تخطــى فقــدان عائلتــى،لــذا أرفــض تمامـا ً أى ارتبــاط بالرغم
مــن وصيــة جــدى لــى قبــل وفاتــه مباشــرة أن اتــزوج فــى ســن مبكــر وانجــب
ابنــاء للحفــاظ علــى ثــروة عائلتــى،فانــا دائم ـا ً افكــر أن أصعــب شــىء هــو
الفقــدان،بالفعــل ال اشــعر بمــا أملــك فــى حياتــى،الن مــا فقــدت اكبــر بكثيــر
ممــا أملــك،هــذه هــى افــكارى ومعتقداتــى،ولــم أتخيــل ابــدا ً أن يحــدث أى
شــىء يغيــر تلــك االفــكار والمعتقــدات
لحظــة التحــول الكبيــر الــذى حــدث لحياتــى علــى وشــك الحدوث،حكايتــى
الجديــدة بــدأت فــى هــذا اليــوم،والتــى غيــرت مجــرى حياتــى بالكامــل .
خرجــت كعــادة كل يــوم للجلــوس أمــام البحــر،وكان الهــواء منعــش،كنــت
مســتغرقا ً فــى التفكيــر فــى كافــة امــور حياتــى،بشــكل جــدي،كــم كنــت
اشــعر بالضيــق بســبب الصحــف الصفــراء التــى تطاردنــى يومي ـًا،بالرغــم
مــن حفاظــى علــى ســمعتى،وهــذا بســبب الحــزم الــذى ربانــى بــه جــدى،فانــا
شــخص ملتــزم خلقيـًا،ال أحــب جــو الســهرات والقماروغيرهــا مــن أمــور ال
اخالقيــة،مثلمــا يفعــل الكثيرمــن االثريــاء ورجــال االعمــال،لــذا حيــن أقــرأ
عــن شــائعات تريــد النيــل مــن ســمعتى وســمعة عائلتــى انزعــج بشــدة مــن
هــذه األخبــار.
كنت اتساءل دائما ً عن لماذا أنا حزين كل هذا الحزن؟
لماذا حتى االآن لم استطع تخطى أحزانى؟
بالرغــم مــن نجاحــى فــى عملــى ونجــاح شــركاتى وجميــع الشــركات األخــرى
التــى أســاهم بأموالــى فيهــا،كنــت أنظــر للبحــر كأننــى أتحــدث معــه،فهــو
بالفعــل اصبــح أعــز صديــق لــى،القــى اليــه همومــى وآالمــى،اتخيــل فــى
بعــض االحيــان انــه يجيبنــى،ويخفــف عنــى بالفعــل،وفــى بعــض االحيــان
حيــن كنــت اتحــدث عــن مشــكلة مــا كنــت اجــد الحــل وانــا أجلــس أمــام البحــر.
فى هذا اليوم كانت مشاعرى مضطربة،وكنت أفتقد عائلتى،تساءلت ؟
لـ َم انــا بهــذا الضعــف؟ حقيقــة اشــعر بضعــف شــديد يهــز وجدانــى،اننــى فــى
الحقيقــة لســت هــذا االنســان القــوى الــذى يتحــدث عنــه اإلعــام،فحتــى اآلن
لــم اتخطــى احزانــى،بالرغــم مــن مــرور الكثيــر مــن الوقــت،دائمــا ال أثــق
فــى اآلخريــن،واتشــكك بنواياهــم،وهــذا بالطبــع بســبب تعاليــم جــدى،والتــى
كان يحــرص علــى تعليمهــا لــى.
اتساءل ايضا ً وأقول لماذا ال اشعر بالسعادة،بالرغم من القوة والمال
والنفوذ الذين ورثتهم عن عائلتى ومكانتها؟